الإيلام: الألم هو جوهر العقوبة
الإيلام: الألم هو جوهر العقوبة وهذا أمر بديهي إذ لا عقاب بدون ألم، ويقصد بالإيلام المساس بحق لمن تنزل به العقوبة وحقوق الإنسان التي يتصور المساس بها كثيرة الإيلام: الألم هو جوهر العقوبة
الإيلام: الألم هو جوهر العقوبة
منها الحقوق المالية والحقوق غير المالية أو حقوق الشخصية، وأهم الحقوق الشخصية تلك الطائفة من الحقوق المتعلقة بالكيان المادي للإنسان، أي حق الإٌنسان في الحياة،
وقد تمس به العقوبة فتلغيه حين تتمثل في الإعدام ،
وحقه في سلامة البدن ويكون المساس به عن طريق العقوبات البدنية، مثل الأشغال الشاقة،
الإيلام: الألم هو جوهر العقوبة
الجلد وبتر الأعضاء في بعض الأنظمة، وأهم حقوق الإنسان كذلك حقه في التمتع بحريته الذى يحجب عنه طيلة مدة العقوبة السالبة للحرية .
يمكن أن يتحقق الإيلام كذلك إذا أصابت العقوبة حقا من الحقوق المالية ،وأهمها حق الملكية الذى تمس به العقوبات المالية، مثل الغرامة والمصادرة.
الإيلام: الألم هو جوهر العقوبة
والإيلام يفترض إكراها يخضع له من ينزل به، ومن ثم كانت العقوبة بطبيعتها متضمنة معنى القسر والإجبار إذ ليس من المألوف أن يتحمل شخص بمحض إرادته الإيلام.
وتتولى السلطات العامة في العصر الحديث إكراه المحكوم عليه على تنفيذ العقوبة باعتبارها ممثلة للمجتمع الذى أسند إليها مهمة توقيع العقوبة نيابة عنه .
الإيلام: الألم هو جوهر العقوبة
ثانيا: إيلام العقوبة إيلام مقصود:
تتميز العقوبة بأن الألم الذى تحدثه فيمن توقع عليه ألم مقصود،
فهي تفترض أن الإيلام أثر مقصود لإنزال العقوبة وتطبيقا لذلك ينتفي معنى العقوبة عن كل تدبير أو إجراء ينطوي بطبيعته على إيلام، لكنه يكون غير مقصود لذاته،
مثل إجراءات التحقيق أو المحاكمة، فقد يقبض على المتهم ويفتش أو يحبس احتياطا،
وهى إجراءات لا يخلو تنفيذها عادة من مساس ببعض الحقوق، ومع ذلك فهي لا تستهدف الإيلام وإن حدث بالفعل فهو غير مقصود .
وعنصر القصد في الإيلام هو الذى يبرز معنى الجزاء في العقوبة الجنائية، فما أنزله الجاني من شر بالمجتمع والمجنى عليه، يتعين أن يقابله شر في صورة إيلام العقوبة .
وسوف نرى أنه مع التطور الذى صاحب النظرة إلى العقوبة وأغراضها حدث تطور مماثل في طبيعة الإيلام ودرجته،
ففي الوقت الذى سادت فيه النظرة إلى العقوبة على أنها انتقام من الجاني وكان القصد من الإيلام تحقيق أكبر قدر ممكن من الردع .
ومع ظهور أغراض أخرى للعقوبة بجانب الردع،
الإيلام: الألم هو جوهر العقوبة
لكن أصبح من غير المنطقي أن يقصد لذاته، بل لتحقيق أغراض أخرى تعني المجتمع،
وهى إصلاح المحكوم عليه وتأهيله للحياة الاجتماعية،
حتى لا يعود إلى الجريمة بعد تنفيذ العقوبة فيه، فظهرت أنظمة أو أساليب جديدة لتنفيذ العقوبة تركز على شخص المحكوم عليه، لتستأصل منه دوافع الإجرام وتقضي على خطورته الإجرامية .
” هذه النظرة الجديدة للعقوبة وأغراضها، إن كانت واضحة في فكرتها،
إلا أنها ليست سهلة التحقيق في الواقع العملى، ذلك أنه لا يخفى أن الإصلاح والتأهيل عن طريق إيلام المحكوم عليه مسألة غاية في التعقيد،
وتحتاج إلى تنظيم وضبط للأساليب التي تتيح الوصول إلى هذا الغرض،
وواضح أن عدم استعمال هذه الأساليب يضعف من قدرة العقوبة على بلوغ أغراضها،
ويجعل الإيلام غرضا في ذاته، فيكون ضرره أكبر من نفعه.
الإيلام: الألم هو جوهر العقوبة
ثالثا: ارتباط إيلام العقوبة بالجريمة :
القاعدة أنه لا عقوبة توقع إلا إذا ارتكبت جريمة، فالعقوبة ترتبط بالجريمة وتوقع من أجلها، وينبغي أن تتناسب معها. ويعنى ذلك أن إيلام العقوبة يجب أن يرتبط بالجريمة من وجهين :
الأول:
– أن الإيلام الذي تتضمنه العقوبة لا يمكن إنزاله إلا كأثر للجريمة ويعنى ذلك أن يكون لاحقا على ارتكاب الجريمة.
وهذا الوجه من أوجه الارتباط بين الإيلام والجريمة،
هو الذي يميز العقوبة عن الإجراءات التى تتخذ قبل وقوع الجريمة وتستهدف الوقاية منها،
فهذه الإجراءات لا تعد من قبيل العقوبات .
الإيلام: الألم هو جوهر العقوبة
الثاني :
– إن إيلام العقوبة الذى تسببه الجريمة ويتحقق كأثر لها، يجب أن يتناسب مع الجريمة،
ويعني ذلك أن هناك قدرا من التناسب، ينبغي ضمانه كحد أدنى لا يمكن التجاوز عنه،
فقوام فكرة الجزاء ليس فحسب مقابله الشر بالشر أيا كان ولكنه قبل ذلك وفوق ذلك الشر بشر مثله،
والمثلية تقتضى التعادل والمساواة.
لكن كيف يمكن الوصول إلى التناسب بين إيلام العقوبة والجريمة ؟ الواقع أنه من الممكن تصور أكثر من معيار يمكن أن يقاس به هذا التناسب.
الإيلام: الألم هو جوهر العقوبة
1- من الممكن أن يعتمد التناسب على مدى جسامة الماديات الإجرامية،
بحيث يتحدد الإيلام بالنظر إلى مدى جسامة الاعتداء الذى حدث على الحق أو المصلحة محل الحماية الجنائية،
دون التفات إلى نصيب الإرادة الإجرامية من الخطأ. وطبقا لهذا المفهوم يكفى لتحقق الصلة بين إيلام العقوبة والجريمة
أن تنسب الماديات إلى شخص معين يكون هو الذى أتاها، وأن يكون فعله هو سبب النتيجة الإجرامية .
2- ومن الممكن كذلك أن يكون معيار التناسب بين إيلام العقوبة والجريمة هو نصيب الإرادة الإجرامية من الخطأ.
ويؤدى ذلك إلى تطلب أن يكون الإيلام متناسبا مع درجة الإثم المنسوب إلى مرتكب الجريمة، بصرف النظر عن مدى جسامة الماديات الإجرامية،
وفى هذه الحالة يتحدد التناسب على أساس معيار شخصي، فيلزم لاستحقاق العقاب، وتحديد قدر الإيلام الذى يتضمنه أن تقوم صلة سببية نفسية بين فعل الجاني ونفسيته،
ولا ينفي ذلك أن يكون للماديات الإجرامية دورها في الكشف عن نطاق الإرادة الإجرامية .
3- ومن الممكن أخيرا الجمع بين المعيار الموضوعي والمعيار الشخصي،
لتحديد درجة التناسب بين إيلام العقوبة والجريمة،
والتنسيق بينهما حسب نوع الجرائم، ففي طائفة منها يغلب الجانب الموضوعي على الجانب الشخصي والعكس بالنسبة لطائفة أخرى .
والتناسب بين العقوبة والجريمة على النحو السابق بيانه،
لا يتصور استهدافه ومحاولة الوصول إليه إلا عند اختيار وتحديد نوع العقوبة ومقدارها أي في مرحلتي التفريد التشريعي والقضائي.
الإيلام: الألم هو جوهر العقوبة
1) فتحقيق التناسب بين إيلام العقوبة والجريمة في المرحلة التشريعية،
يعنى التفريد التشريعي للعقوبة، وهو يقوم بالضرورة على أساس موضوعي حيث يراعى فيه بصفة أساسية الفعل لا الفاعل،
والواقع أن المشرع لا يمكنه في هذه المرحلة أن يفعل أكثر من ذلك،
إذ أنه لا يعرف غير أفعال مجردة، يزن درجة الإيلام بالنسبة لها، مراعيا جسامتها من الناحية المادية فحسب .
2) أما تحقيق التناسب بين إيلام العقوبة والجريمة في المرحلة القضائية،
فإنه يعني التفريد القضائي للعقوبة، ففي هذه المرحلة يقوم القاضي باختيار نوع العقوبة ومقدارها من بين العقوبات التي حددها المشرع،
وفي سبيل تحقيق التناسب يمكن للقاضي أن يراعي بالإضافة إلى جسامة ماديات الجريمة –شخصيا مرتكبها،
والواقع أنه في هذه المرحلة يمكن للقاضي إكمال عمل المشرع في سعيه للوصول إلى تناسب حقيقي بين إيلام العقوبة والجريمة .
3) فإننا لا نرى محلا له في مرحلة تنفيذ العقوبة،
ذلك أن علم العقاب الحديث لا يولى التناسب في مرحلة التنفيذ العقابي اهتماما وما ينبغي له ذلك،
ويعنى ذلك أن على سلطات التنفيذ ألا تتجاوز بالزيادة قدر الإيلام الذى تتضمنه العقوبة المحكوم بها،
وإنما يجب عليها أن تحاول استثمار هذا القدر من الإيلام –وفق أساليب ملائمة لتحقيق الغرض منه، وهو إصلاح المحكوم عليه وتأهيله.