العجوز الفتاة
أنا ميسون فتاة جميلة كالصباح جمالي عمري اليوم اكثر من عشرة ألاف عام ولدت قبل ميلاد الحضارة. فصرت أنا أم الحضارة أقع في كبد الدنيا في حوضة عريقة اسمها حوضة دمشق محاطة بسبعة أبواب هي درعي و أماني، سلام وشرقي وتوما وصغير وجابية وكيسان ومصلى أغلقهم وأضم أبنائي بين أحضاني لأشعرهم بحناني ودفء صدري وحبي . تحدني من طرفي غوطتين جميلتين رائعتين كأنهما الجنة ويسقيني نهر عذب فرات عظيم كتب عنه كبار الشعراء مئات القصائد ونثر لأجله جل الأدباء عشرات المجلدات. سبع أنهار هم أبناء بردى يرووا أحيائي وحاراتي ويمشوا في أزقتي الضيقة من سهل الزبداني يبدأ يشق أنفاسه ليروي الصالحية والمهاجرين والميدان والشاغور والقنوات والعمارة ويسقي بساتين المزة وجبل قاسيون وأشجار الزيزفون وحارات الياسمين ورائحة الزيتون ليروي غوطة ستكون أرض المحشر يوم النشور.
أنا مقصد الحجاج المسيحيين فبمسجدي رأس يوحنا المعمدان ومزار المسلمين فمسجدي الأموي علم من اعلام الاسلام تزورني الأفواج من أصقاع الأرض لترى جمالي وتشتري من حميديتي كل سياح الدنيا فتجار الحميدية يبيعون كل أبناء الأرض فهم يتكلمون لغة الياسمين لغة المحبة والإبتسامة التي يفهمها كل عشاق الدنيا.
أبنائي بومبيس الروماني وخالد بن الوليد ومعاوية بن أبي سفيان وسلجوق الأول .
أبناء عمومتي هارون الرشيد ونور الدين الزنكي وصلاح الدين الأيوبي وسيف الدولة الحمداني و السلطان عبد الحميد.
أحفادي يوسف العظمة وفارس الخوري وهاشم الأتاسي ونزار قباني وغيرهم .
في سفح قاسيوني مرقد الأنبياء المرسلين وأرواح الشهداء الطاهرين وقبور الأولياء العارفين .
ذكرني رب العرش في قرأنه ولقبني برحلة الشتاء وأقسم بثماري بالتين والزيتون ورجع المصطفى مختارا الجنة عندما وصل بابي ودخل الصحابة الكرام مسلمين فاتحين من أبوابي.
التقت في ربوعي كافة الديانات وتعانق في أرضي الهلال مع الصليب ورفع يوم جلائي أذان المساجد مع أجراس الكنائس.
احتلتني مرارا جيوش جرارة واستولى على عرشي غزاة ومحتلون فطردتهم ببسالة أبنائي وأجليتهم بأشواك ياسميني وطهرت ترابي من نجاستهم بدماء أبنائي وبناتي.
واليوم واحزناه واسفاه ها أنا ذا أفقد شبابي ارى بعيوني كل الوان العذاب وأسمع ويلات وألام أطفالي و أحبايي يبدو أنني أخذ في الدنيا عقابي أهل أحاسب قبل يوم الحساب !!!
أم انه اختبار الصبر أم هو امتحان من الله التواب أو تكفير عن اخطائي واعادتي الى درب الصواب؟؟؟.
تصارعت على أرضي كل أقطاب الأرض وتناحرت فوقي كل قوى العالم وصارت ربوعي مكانا لتصفية الحسابات القديمة ولأستعراض العضلات وتربية الأخرين.

أنا ميسون فتاة جميلة كالصباح جمالي

رأينا وسمعنا بأسلحة لم يعرف التاريخ اسمها طائرات تحلق في سمائي ودبابات تقصف ترابي وصواريخ كألوان الشهاب ورائحة الرصاص عكرت مزاجي وخنق السلاح الكيميائي في لحظات أحبابي .
هرم وجهي في بضع سنين مع أني مازلت في ريعان شبابي. رغم كبر سني صنديدة ولكني اليوم أموت عند موت اطفالي وشبابي ضعفت قوايي رغم جبروت قاسيون ورجاله النشامى الأربعون أبيضت عيوني من كثرة بكائي على أولادي وجفت دموعي وحفرت اخدودا في وجهي تغيرت معالمي وغاب وميضي وتجعدت وجنتاي لم اعد اشم رائحة الزيزفون فقد غطتها رائحة المنون ولم أعد أسمع زغاريد الدمشقيات وما عدت أرى زفة الأعراس وأصوات الفرح في شوارعي.
تبدلت عندي أصوات طبول الفرح بطبول الحرب ولم نعد صوت المأذن شعار الصلاة فحسب بل صارت دليلا على موت جديد وألم جديد ونزيف وريد ووفاة أحد أبنائي لم تعد تهدأ في أزقتي سيارات الأسعاف وتوابيت التشييع وسيارات الجنازة وتحول فستاني الأبيض الى فستان أسود وشعري الأسود المفرود على كتفي قد شاب وابيض من كثرة ما رأى في هذه التسع سنين هذه التسعة العجاف رأى خلالها مشاهد يصعب على العقل تخيلها من شدة فظاعتها .
أنا ميسون أقف اليوم فقيرة على باب الكريم أطلب الفرج من جبار السماء أرى الفرح قادما كما أراكم الأن أمامي اثق بقدوم الفرج في أي لحظة كثقتي بربي

أنا ميسون فتاة جميلة كالصباح جمالي
سأعود لألبس ثوبي الابيض من ثلوج بلودان وأزينه بجوري أحمر من ورود الغوطة وأتوج عنقي بزيزفون دمشق وأرش عطرا من ياسمين الشآم .
سأعود عقابا شامخا في سماء الكون،سأعود كما كنت حاضرة العالم الكون، سأعود صامدة كصمود جبل قاسيون ،سأرسم بسمتي بيدي فبها كنت وسأكون سيدة العشق والحب والجمال والجنون .
أنا مهبط الديانات السماوية، وأنا مسرى الرسول الكريم ،وأنا صدر الأسلام.
أنا شمس المجد ٠
أنا دمشق الأبية أنا جلق العربية أنا شآم الحرية
أنا ميسون .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *