حينما يكون واضع القانون إنسانا
حينما يكون واضع القانون إنسانا فإنه يكتب بحنان قلبه ورأفة دينه ورحمة ربه
وما وضعت القوانين إلا للتسهيل على البشر لا لسحب حرياتهم،
حتى العقوبات عندما وضعت أريد بها صون المجتمع وإعادة تأهيل الفاعل
لذلك ترك للقاضي الحرية في اختيار العقوبة العليا والدنيا وفقا لما يراه مناسبا يصون المجتمع ويرأف بالفاعل في وقت واحد
إن سِيَر واضعي القانون اختلفت بين قلوب بشر وقلوب حجر، بين ظلم أسود وعدل أبيض
حينما يكون واضع القانون إنسانا
وما الخليفة ابن الخطاب المعروف بشدته وقوة بأسه
إلا صورة لواضع القانون الرؤوف بالرعية دون التفريط بحق الله:
1. رأفة المشرع
كان دائما ما يعد موائد الطعام للناس فى المدينة
وفي ذات يوم رأى رجلاً يأكل بشماله ، فجاءه من خلفه
وقال له : يا هذا : كل بيمينك .
فرد الرجل : يا عبد الله إنها مشغولة .
فأعاد الفاروق القول مرتين فرد الرجل بذات الإجابة
فأجابه الرجل : قد أصيبت بغزوة مؤتة فشلت عن الحركة .
فوقف عمر وبكى وهو يسأله : من
يوضئك ؟
يغسل ثوبك ؟
يغسل لك جسدك ؟
…………. .. ؟
ومع كل سؤال ينهمر دمعه حتى ابتلت لحيته
.. ثم أمر له بخادم وراحلة وطعام وهو يرجوه العفو عنه لأنه آلمه بملاحظته على أمر لم يكن يعرف أنه لا حيلة له فيها .
هكذا تصنع القوانين
حينما يكون واضع القانون إنسانا
2. قانون المرأة في الإسلام
كان يخرج يعس ليلاً في أزقة المدينة لا ليتلصص على رعيته ولكن ليتفقد حالها وليسهر على راحتها
ذات ليلة إذ بامرأة تناجي طيف زوجها الغائب وتنشد في ذكراه شعراً :
لقد طال هذا الليل واسود جانبه
وأرقني إذ لا حبيب ألاعبه
فلولا الذي فوق السماوات عرشه
لزعزع من هذا السرير جوانبه
فيقترب الفاروق ويسترق السمع ثم يسألها من خلف الدار : ما بك يا أختاه ؟
فترد المرأة :
لقد غادر زوجي إلى المعارك منذ أشهر وإني أحن إليه .
فيركض الفاروق الى بيت ابنته حفصة رضي الله عنها ويسألها :
كم تشتاق المرأة الى زوجها ؟
وتستحيي الابنة وتخفض رأسها فيخاطبها متوسلاً :
إن الله لا يستحي من الحق ولولا أنه شئ أريد أن أنظر به في أمر الرعية لما سألتك .
فتجيب الابنة :
أربعة أشهر أو خمسة أو ستة .
ويعود الفاروق إلى داره ويكتب لأمراء الأجناد ( لاتحبسوا الجيوش فوق أربعة أشهر )
ويصبح الأمر قانوناً يحفظ للمرأة أهم حقوقها .
تابع مسار القانون لم يصغه الجهاز التنفيذي للدولة بل صاغه المجتمع ( الأعرابية وحفصة ) واعتمده الجهاز التنفيذي للدولة لينظم به المجتمع.
هكذا تَشكَّل ( قانون المرأة )
حينما يكون واضع القانون إنسانا
3. قانون الطفل في الإسلام
والفاروق ذاته رضي الله عنه يواصل التجوال المسائي متفقداً حال رعيته وإذ بطفل يصدر أنيناً حزيناً فيقترب من البيت ويسأل عما به ؟
فترد أم الطفلة :
(إني أفطمه يا أمير المؤمنين)
حدث طبيعي أُم تفطم طفلها ولذا يصرخ ولكن أمير المؤمنين لا يمضى إلى حال سبيله،
بل يحاور أُم الطفل ويكتشف أن الأم فطمت طفلها قبل موعد الفطام لحاجتها
لمائة درهم كان يصرفها بيت مال المسلمين لكل طفل بعد الفطام .
يرجع الفاروق إلى منزله لا لينام إذ أنين ذاك الطفل لم يبارح عقله وقلبه فيصدر أمراً ( بصرف المائة درهم للطفل منذ الولادة وليس بعد الفطام ) .
ويصبح الأمر قانوناً يحفظ حقوق الأطفال ويحميهم من مخاطر الفطام المبكر ….
لو لم يحاور الفاروق تلك المرأة لما أصدر قانوناً يحمي حق الطفل في الرضاعة الكاملة
وهكذا تَشكَّل ( قانون الطفل )
حينما يكون واضع القانون إنسانا
4. قانون حرية التعبير
وكان الفاروق يحب أخاه زيداً ، وكان زيد هذا قد قُتل في حروب الردة .
ذات نهار بسوق المدينة يلتقي الفاروق وجهاً بوجه بقاتل زيد وكان قد أسلم وصار فرداً في رعيته .
يخاطبه الفاروق غاضباً :
(والله إني لا أحبك حتى تحب الأرض الدم المسفوح)
فيسأله الأعرابي متوجساً :
(وهل سينقص ذاك من حقوقي يا أمير المؤمنين)
ويُطمئنه أمير المؤمنين (لا)
فيغادره الأعرابي بمنتهى اللامبالاة قائلاً :
(إنما تأسى على الحب النساء )…
أي مالي أنا وحبك إذ ليس بيني وبينك غير ( الحقوق والواجب )
لم يغضب أمير المؤمنين ولم يزج به في السجن بل كظم غضبه على جرأة الأعرابي وسخريته وواصل التجوال.
لم يفعل ذلك إلا إيماناً بحق هذا الأعرابي في التعبير وبكظم الغضب وهو في قمة السلطة وبفضل شجاعة هذا الإعرابي .
تَشكَّل في المجتمع ( قانون حرية التعبير )
حينما يكون واضع القانون إنسانا
5. وأمرهم شورى بينهم
ثم امرأة كانت تلك التي جردته ذات جمعة من لقب أمير المؤمنين حين قالت ( أخطأت يا عمر )
وكانت هذه بمثابة نقطة نظام،
امرأة من عامة الناس ترفض قانون المهر الذي صاغه الفاروق عمر،
لم يكابر أمير المؤمنين ولم يزج بالمرأة في السجون ولم يأمر بجلدها بل اعترف بالخطأ بالنص الصريح
( أخطأ عمر وأصابت امرأة ) ،
ثم سحب قانونه وترك للمجتمع أمر تحديد المهور حسب الاستطاعة .
هذه بعض الصور للفاروق عمر بن الخطاب وهكذا كانت تُصنع القوانين ،
حينما يكون واضع القانون إنسانا
أي حسب غايات المجتمع وطموحاته وثقافاته وذلك بالغوص في قاع المجتمع المستهدف بتلك القوانين .
فالمجتمع هو مصدر القوانين وليس السلطة
(( بما لا يخالف كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم )) وعلى العكس تماما توجد صور لقوانين ظالمة وضعها أصحاب القلوب الصلبة ماكانت الغاية منها إلا الظلم والجبروت وإيذاء البشر.